الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقوله جل وعلا: {لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ} أي أضمروا التكبر عن الحق في قلوبهم، واعتقدوه عنادًا وكفرًا، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] وقوله تعالى: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} أي تجاوزوا الحد في الظلم والطغيان يقال: عتا علينا فلان: أي تجاوز الحد في ظلمنا، ووصفه تعالى عتوهم المذكور بالكبر، يدل على أنه بالغ في إفراطه، وأنهم بلغوا غاية الاستكبار، وأقصى العتو، وهذه الآية الكريمة تدل على أن تكذيب الرسل بعد دلالة المعجزات، ووضوح الحق وعنادهم والتعنت عليهم بطلب إنزال الملائكة، أو رؤية الله استكبار عن الحق عظيم وعتو كبير يستحق صاحبه النكال، والتقريع، ولذا شدد الله النكير على من تعنت ذلك التعنت واستكبر عن قبول الحق، كما في قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ موسى مِن قَبْلُ} [البقرة: 108] وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السماء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك فقالوا أَرِنَا الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153] الآية وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة: 55] واستدلال المعتزلة بهذه الآية، وأمثالها على أن الرؤية الله مستحيلة استدلال باطل ومذهبهم والعياذ بالله من أكبر الضلال، وأعظم الباطل، وقول الزمخشري في كلامه على هذه الآية: إن الله لا يرى قول باطل، وكلام فاسد.والحق الذي لا شك فيه: أن المؤمنين يرون الله بأبصارهم يوم القيامة كما تواترت به الأحاديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ودلت عليه الآيات القرآنية منطوقًا ومفهومًا. كما أوضحناه في غير هذا الموضع.وقد قدمنا في هذه السورة وفي سورة بني إسرائيل الآيات الدالة على أن الله لو فعل لهم كل ما اقترحوا لما آمنوا، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22)}.ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار الذي طلبوا إنزال الملائكة عليهم، أنهم يرون الملائكة لا بشرى لهم: أي لا تسرهم رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين.أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت، كقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50] الآية وقوله تعالى: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93] وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 2728] وأما رؤيتهم الملائكة يوم القيامة فلا بشرى لهم فيها أيضًا، ويدل لذلك قوله تعالى: {لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمر ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ} [الأنعام: 8] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ} يدل بدليل خطابه: أي مفهوم مخالفته، أن غير المجرمين يوم يرون الملائكة تكون لهم البشرى، وهذا المفهوم من هذه الآية جاء مصرحًا به في قوله تعالى: {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}.وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا} أظهر القولين فيه عندي أنه من كلام الكفار، يوم يرون الملائكة. لا من كلام الملائكة وإيضاحه: أن الكفار الذين اقترحوا إنزال الملائكة إذا رأوا الملائكة توقعوا العذاب من قبلهم، فيقولون حينئذ للملائكة: حجرًا محجورًا: أي حرامًا محرمًا عليكم أن تمسونا بسوء أي لأننا لم نرتكب ذنبًا نستوجب به العذاب، كما أوضحه تعالى بقوله عنهم: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 28] فقولهم: ما كنا نعمل من سوء: أي لم نستوجب عذابًا فتعذيبنا حرام محرم، وقد كذبهم الله في دعواهم هذه بقوله: {بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 28] وعادة العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، أنهم بلغتهم، أنهم يقولون هذا الكلام: أي حجرًا محجورًا عند لقاء عدو موتور أو هجوم نازلة أو نحو ذلك.وقد ذكر سيبويه هذه الكلمة أعني: حجرًا محجورًا في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو: معاذ نحو: معاذ الله، وعمرك الله، ونحو ذلك وقوله: حجرًا محجورًا، أصله من حجره بمعنى منعه، والحجر الحرام، لأنه ممنوع ومنه قوله: {وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138] أي حرام {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: 138] ومنه قول المتلمس:
فقوله حرام تأكيد لقوله حجر لأن معناه حرام وقول الآخر: وقول الآخر: وقوله: محجورًا توكيد لمعنى الحجر. قال الزمخشري: كقول العرب: ذيل ذائل. والذيل الهوان، وموت مائت، وأما على القول بأن حجرًا محجورًا من قول الملائكة، فمعناه: أنهم يقولون للكفار حجرًا محجورًا. أي حرامًا محرمًا أن تكون للكفار اليوم بشرى، أو أن يغفر لهم، أو يدخلون الجنة وهذا القول اختاره ابن جرير، وابن كثير وغير واحد.وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة} قال الزمخشري: يوم منصوب بأحد شيئين، إما بما دل عليه لا بشرى أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى، أو يعدمونها، ويومئذ للتكرير، وإما بإضمار اذكر: أي اذكر يوم يرون الملائكة، ثم قال لا بشرى يومئذ للمجرمين.{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}.قد قدمنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: 19] الآية. وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل: 97] الآية. وغير ذلك عن إعادته هنا.{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}.استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة: أن حساب أهل الجنة يسير، وأنه ينتهي في نصف نهار، ووجه ذلك أن قوله: مقتيلًا: أي مكان قيلولة وهي الاستراحة في نصف النهار، قالوا: وهذا الذي فهم من هذه الآية الكريمة، جاء بيانه في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الأنشقاق: 79].ويفهم من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} الآية. أن أصحاب النار ليسوا كذلك وأن حسابهم غير يسير.وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى قريبًا من هذه الآية {الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الكافرين عَسِيرًا} [الفرقان: 26] فقوله: على الكافرين يدل على أنه على المؤمنين غير عسير، كما قال تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] الآية. وقوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدّثّر: 810] وقوله تعالى: {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] وإذا علمت مما ذكرنا ما جاء من الآيات فيه بيان لقوله: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًا وأحسن مقيلًا، فهذه أقوال بعض المفسرين في المعنى الذي ذكرنا في الآية.قال صاحب الدر المنثور: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} قال: في الغرف من الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وذلك مثل قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 79] وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه عن ابن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} وقرأ {ثّمّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلَى الجَحِيم} وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما هي ضحوة. فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، وأبو نعيم، في الحلية، عن إبراهيم النخعي: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة، نصف النهار. فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فذلك قوله: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}.وأخرج ابن جرير، عن سعيد بن الصواف قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمنن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة، حين يفرغ الناس من الحساب، وذلك قوله: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} إلى أن قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة، وأهل النار، النار، الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبرن إذ انقلب الناس إلى أهليهم، للقيلولة، فينصرف أهل النار إلى النار، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة، فكانت قيلولتهم في الجنة، واطعموا كبد الحوت فأشبعهم كلهم فذلك قوله: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} انتهى منه.وذكر نحوه القرطبي مرفوعًا وقال: ذكره المهدوي. والظاهر أنه لا يصح مرفوعًا، وقال القرطبي أيضًا: وذكر قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فقلت: ما أطول هذا اليوم. فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة» وهو ضعيف أيضًا، وما ذكره عن ابن مسعود من أنه قرأ: {ثّمّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لإلَى الجَحِيم} معلوم أن ذلك ذلك شاذ لا تجوز القراءة به، وأن القراءة الحق {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} [الصافات: 68].واعلم أن قول قتادة في هذه الآية معروف مشهور، وعليه فلا دليل في الآية لما ذكرنا، وقول قتادة هو أن معنى قوله: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} أي منزلًا ومأوى، وهذا التفسير لا دليل فيه على القيلولة في نصف النهار كما ترى.وقد بينا في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} من انقضاء الحساب في نصف نهار، وبين ما دل عليه قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع، وبعض الشواهد العربية.واعلم أن المشهور في كلام العرب أن المقيل القيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النهار ومن الحر مثلًا، وإن لم يكن معها نوم، ومنه قوله: أي نزلا فيها وقت القائلة، كما قاله صاحب اللسان، وما فسر به قتادة الآية، من أن المقيل المنزل والمأوى، معروف أيضًا في كلام العرب. ومنه قول ابن رواحة: فقوله: يزيل الهام عن مقيله، يعني: الرؤوس عن مواضعها من الأعناق، ومعلوم أن المقيل فيه المحل الذي تسكن في الرؤوس والظاهر أن من هذا القبيل قول أحيحة بن الجلاح الأنصاري: وعليه فالمعنى: بأي الأرض يدركك الثواء والإقامة بسبب الموت أو غيره من الأسباب، وصيغة التفضيل في قوله هنا: {خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} تكلمنا على مثلها قريبًا في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد} [الفرقان: 15] الآية. اهـ. .قال الشعراوي: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ}.واللقاء: يعني البعث، وقد آمنا بالله غَيْبًا وفي الآخرة نؤمن به تعالى مَشْهدًا {لِّمَنِ الملك اليوم} [غافر: 16] حتى مَنْ لم يؤمن في الدنيا سيؤمن في الآخرة.لذلك يقول سبحانه في موضع آخر: {والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَاءً حتى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب} [النور: 39].ويا ليته جاء فلم يجد عمله، المصيبة أنه وجد عمله كاملًا، ووجد الله تعالى يحاسبه ويُجازيه، ولم يكن هذا كله على باله في الدنيا؛ لذلك يُفَاجأ به الآن.
|